أخبار عاجلة

البصرة والكوفة وما بينهما….!

الباحث لفته عبد النبي الخزرجي يكتب

العراق بلاد الرافدين وأرض السواد ،وفي معجم البلدان ،( قال ابو معشر : أن الكلدانيين هم الذين كانوا ينزلون بابل في الزمن ألأول ،ويقال أن أول من سكنها وعمرها نوح عليه السلام ،حين نزلها عقب الطوفان طلبا للرفاء ، فأقام بها وتناسلوا فيها وكيروا من بعد نوح ،وملكوا عليهم ملوكا وابتنوا بها المدائن . وكانت ملوكهم تنزل بابل ،وكان الكلدانيون جنودهم ، فلم تزل مملكتهم قائمة الى ان قتل ” دارا ” وهو آخر ملوكهم ، ثم قتل منهم خلق كثير ، فذلوا وأنقطع ملكهم ) ./ 1/ معجم البلدان – ياقوت الحموي .
وقال صاحب العقد الفريد ( قال عمر بن عبد العزيز : لعن الله الحجاج فأنه ما كان يصلح للدنيا وللآخرة ،فقد شكى اهل السواد الى الحجاج خراب بلدهم ،فمنعهم من ذبح البقر لتكثر العمارة !!! فقال شاعرهم :
شكونا اليه خراب السواد فحرم جهلا لحوم البقر
وقال المسعودي ( أن الخليفة عمر بن الخطاب لما أراد احتلال العراق سأل مستشاره كعب ألأحبار عنه فقال > يا أمير المؤمنين .. أن الله خلق ألأشياء وألحق كل شئ بشئ ، فقال العقل أنا ألحق بالعراق ،فقال العلم وأنا معك ، فقال المال وأنا لاحق بالشام .. فقالت الفتن وانا معك ،فقال الخصب وانا لاحق بمصر ،فقال الذل وأنا معك ، فقال الفقر أنا لاحق بالحجاز ، فقالت القناعة وأنا معك ،فقال الشقاء ،وأنا لاحق بالبوادي ،فقالت الصحة وأنا معك < ). / 2مروج الذهب ج2
تمصير البصرة والكوفة :
البصرة والكوفة حاضرتان عربيتان لهما تاريخ رسمت ملامحه سواعد الرجال ، وشيدت أركانه ارادة وكفاءة وقدرات اولئك الافذاذ من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وما زالتا تشهدان المزيد من المعارف والعلوم ويتطور المشهد الثقافي والعلمي فيهما بما يؤكد ان المدينتين لا تخبو أنوارهما ابدا .
اولا : تمصير الكوفة :
تم تمصير الكوفة في بداية القرن الأول للهجرة ، ( سنة14هجري) ، مصرها القائد سعد بن ابي وقاص ، حيث سيره الخليفة عمر بن الخطاب . ويعتبر سعد بن ابي وقاص هو من مصر الكوفة في سنة خمس عشرة ( ودلهم على موضعها ابن نفيلة الغساني ،وقال لسعد : ادلكم على أرض ارتفعت عن البر وانحدرت عن الفلاة ،فدله على موضع الكوفة اليوم ) مروج الذهب ومعادن الجوهر ج2/ المسعودي ص261
والكوفة بالضم الرملة الحمراء المجتمعة ،وقيل المستديرة او كل رملة تخالطها حصباء ،او الرملة ما كانت .
والكوفة مدينة العراق الكبرى ، وهي قبة الإسلام ودار هجرة المسلمين ، والبعض سماها ” كوفان ” ، قال ألكسائي “1” :كانت الكوفة تدعى كوفان . ويقال لها ايضا ” كوفة الجند ” .
خططها : اي تولى تخطيطها السائب بن الأقرع بن عوف الثقفي .
وفي المصباح المنير : الكوفة مدينة مشهورة بالعراق ،قال : سميت الكوفة لاستدارة بنائها لأنه يقال : تكوف القوم إذا اجتمعوا واستداروا .
كما ان ابن ألأثير يذكر أن ( سعد لما أراد أن يبني الكوفة قال : تكوفوا في هذا الموضع ،أي اجتمعوا فيه ، وبه سميت الكوفة ).
1)الكسائي :وهو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز ألأسدي ” مولاهم ” من فارس ،امام النحو ،شهد له بذلك الامام الشافعي وأبن ألأنباري ،علم الرشيد وأبنه ألأمين ،وسمي بالكسائي لأنه أحرم في كساء عليه ،وقيل لأنه حضر مجلس حمزة في مسجد السبيع بالكوفة ،وهوملتف بكساء ، مات بالري سنة 189هـ .
ثانيا : تمصير البصرة :
يذكر المسعودي في تمصير البصرة حيث يقول ( وذهب كثير من الناس ومنهم المدائني وغيره ،أن عمر أنفذ عتبة بن غزوان في سنة اربع عشرة الى البصرة فنزلها ومصرها ،وذهب كثير من الناس أنها مصرت في ربيع سنة ست عشرة ،وأن عتبة بن غزوان انما خرج اليها من المدائن بعد فراغ سعد بن ابي وقاص من حرب جلولاء وتكريت ، وأن عتبة قدم البصرة وهي يومئذ تدعى أرض الهند فيها حجارة بيض فنزل موضع الخريبة ) 3/ مروج الذهب ج2 / ص260
نزل عتبة بن غزوان البصرة في ربيع الاول من العام ( 14هـ وقيل 15هـ وقيل 16 هـ وقيل 17 هـ ) الموافق 635 وما بعده . وكان دخوله البصرة بأمر الخليفة عمر بن الخطاب ،والهدف تمصيرها .
وفي رواية ثانية ، تقول أن عتبة بن غزوان المازني ، (انما خرج الى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد بن ابي وقاص من جلولاء وتكريت ،وجهه اليها سعد بأمر الخليفة عمر سنة 16 هـ ).المجمل في تاريخ البصرة / علاء العيسى
كانت البصرة مسلحة للعجم قبل تمصيرها ، ويقول ابن خياط في تاريخه أن عمر بن الخطاب بعث في سنة 14 هـجري شريح بن عامر احد بني سعد الى البصرة ،وقال له –كن ردئا للمسلمين – ،لكن شريح قتل في الاحواز ،فبعث عمر عتبة بن غزوان ، لكن هناك من يقول ان الذي نزل البصرة بعد مقتل شريح هو خالد بن الوليد بعد ما فرغ من البحرين واليمامة وقدم هذه الارض وفتح الخريبة .
وعن معنى كلمة (( بصرة )) ،وما هو أصلها لغويا وتاريخيا وجغرافيا ، ورد في معجم البلدان ( البصرة في كلام العرب : ألأرض الغليظة ، ويقال بصرة للارض الغليظة ،وقال غيره : البصرة حجارة رخوة فيها بياض ). وقال ابن أعرابي البصرة حجارة صلاب ،قال :وأنما سميت بصرة لغلظها وشدتها ،وذكر الشرقي ابن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا اليها من بعيد ،وأبصروا الحصى عليها فقالوا : أن هذه أرض بصرة ، يعنون حصبة ،فسميت بذلك .
من اكابر الصحابة والتابعين الذين سكنوا البصرة وماتوا فيها :
1) الصحابي أنس بن مالك بن النضر ألأنصاري ،أبو ثمامة او ابو حمزة ،وهو آخر من مات في البصرة . ولد قبل الهجرة بعشر سنين، قدم المدينة مع أمه ( ام سليم بنت ملحان بن مالك بن خالد بن دينار بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ). اما أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب ….فقد كان خادم رسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقدم المدينة وهو ابن عشر سنين فأهدته أمه (أم سليم بنت ملحان ) الى رسول الله “ص ” كي يخدمه ، فقام بواجب الخدمة عشر سنين ثم رحل الى البصرة بعد ان تم تمصيرها زمن الخليفة عمر بن الخطاب ، كان من رواة الحديث ،وقد روى عنه خلق كثير من البصريين والكوفيين والشاميين وأهل المدينة ، وقد أذله كثيرا الحجاج بن يوسف الثقفي ،لخذلانه الخليفة عثمان بن عفان ولم يدافع عنه . توفي في 709م /91 هـ .ودفن في البصرة ( الشعيبة) وهي من نواحي الزبير . لقبه ابو حمزة او ابو ثمامة .وبلغ أنس مائة سنة وثلاث سنين وهو آخر من مات من الصحابة . وله من الابناء في البصرة ( النضر ،ابو بكر ، موسى ، خالد ، الحارث ، ثمامة ، عمران ، زيد ، عبيد الله ، حفص ، عمر ، وعبد الله ).ويذكر ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ( لم يمت أنس حتى مشى أمامه مائة رجل من ولده ،يرجعون بنسبهم اليه ،من ذكور ولده وولد ولده خاصة ).
2) العالم النحوي المعروف وامام اللغة والعروض والنحو الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي الازدي ،أستاذ سيبويه ومخترع علم العروض على غير منهاج سابق .وقد وصفه سفيان الثوري قائلا : من أحب أن ينظر الى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر الى الخليل بن أحمد . ترجم له ابن داود فقال (شيخ الناس في علوم ألأدب وفضله وزهده أشهر من أن يخفى كان امامي المذهب . ومما روي له من الشعر في مدح بيت النبوة ) :
الله ربي والنـــــــــبي محمد …. حيــا الرسالة بين ألأسباب
ثم الوصي وصي أحمد بعده … كهف العلوم بحكمة وصواب
فاق النظير ولا نظير لقدره … وعلا عن الخلات وألأصحاب
بمنــــــاقب ومآثر ما مثلها … في العالمين لعـــــــــابد تـواب
وبنوه أبناء النبي المرتضى … أكرم بهم من شيخة وشــــباب
ومن اشهر كتبه في اللغة ( العين ) والذي بسببه عد الخليل من أكابر العباقرة والمبدعين المبتكرين ،لأنه وضع أول معجم للعربية ،فلم يستطع أحد ممن تقدمه او من عاصره أن يهتدي الى شئ من ذلك . كما انه كان الرائد الاول في علم ألأصوات ،وقد رتبها ابو الفرج المعافري في قصيدة بحسب مخارجها الصوتية فقال :
يا سائلي عن حروف العين دونكها
في رتبة ضمها وزن واحصاء
العين والحاء ثم الهاء والخاء
والغين والقاف ثم الكاف أكفاء
والجيم والشين ثم الضاد يتبعه
صاد وسين وزاي بعــــده طاء
والتاء والدال ثم الظاء متصل
بالظاء ذال وثاء بعـــــدها راء
واللام والنون ثم الفاء والياء
والميم والواو والمهموز والياء
3) الخلاف في النحو بين الكسائي من جهة وبين سيبويه “2” من جهة اخرى ،وهو الخلاف الذين استعر بين الحاضرتين في المسألة النحوية المشهورة ب(( المسألة الزبنورية )) .
ونتعرف على خلاصة المسألة الزنبورية ،لكي ندرك مدى حرص العرب على سلامة اللغة نحوا وصرفا .
2) سيبويه : وهو أبو بشير عمرو بن عثمان بن قنبر ،مولى بني الحارث بن كعب ، الفارسي ، البصري ، المشهور بسيبويه . برع في العربية وساد أهل العصر ،وكان فيه مع فرط ذكائه ،حبسة في عبارته وأنطلاق في قلمه ،وسمي بسيبويه لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين ،وقيل لأنه كان يكثر من شم التفاح ،وكان بديع الحسن وله ذؤابتان ،مات في شيراز . وهو من تلاميذ الخليل بن احمد الفراهيدي .
كان الكسائي مقيما في بغداد يعلم ألأمين ،وأتفق أن سيبويه قدم اليها من البصرة ، فجمع ألأمين بينهما فتناظرا في أمور كثيرة ، من جملتها ” مسألة الزنبور والعقرب ” ، فذكر الكسائي من أمثال العرب مثلا رواه على هذه الصورة : كنت أظن أن الزنبور أشد لسعا من العقرب فاذا هو اياها .
فقال سيبويه : ليس المثل كذلك بل : فاذا هو هي .
وتشاجرا طويلا وأتفقا على مراجعة عربي خالص لا يشوب كلامه شئ من كلام أهل الحضر .
وكان ألأمين شديد العناية بالكسائي لكونه معلمه ، فاستدعى عربيا وسأله ، فقال كما قال سيبويه ،فقال له : نريد ان تقول كما قال الكسائي . فقال : لساني لا يطاوعني على ذلك ،فانه ما يسبق الا الى الصواب .
فقرروا أن شخصا يقول : قال سيبويه كذا ،وقال الكسائي كذا ، فالصواب مع من هما ؟
فيقول العربي مع الكسائي .
فقال هذا ممكن .
ثم عقد لهما المجلس وأجتمع ائمة النحو ،وحضر العربي ،وقيل له ذاك فقال : الصواب مع الكسائي وهو كلام العرب .
فعلم سيبويه أنهم تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي ،فخرج من بغداد وقد حمل في نفسه لما جرى عليه وقصد بلاد فارس فأقام بها حتى مات ولم يعد الى البصرة )) ./ تاريخ الكوفة /السيد حسين البراقي النجفي .
مناظرات بين أهل البصرة وأهل الكوفة :
ذكر المسعودي في مروج الذهب ومعادن الجوهر ، أن الهادي العباسي كان قد دعى ابن دأب ،فمثل أمامه فسأله عن البصرة والكوفة ،قال ) هلم بنا الى ذكر فضائل البصرة والكوفة وما زادت به كل واحدة منهما على ألأخرى ،قال : قلت :ذكر عن عبد الملك بن عمير ،أنه قال : قدم علينا ألأحنف بن قيس الكوفة مع مصعب بن الزبير ،فما رأيت شيخا قبيحا الا ورأيت في وجه الاحنف منه شبها ،كان صعل الرأس ،أجخى العين ، أعصف الاذن ، باحق العين ، ناتئ الوجه ، مائل الشدق ، متراكب الاسنان ، خفيف العارضين ، أحنف الرجل ، ولكنه كان اذا تكلم جلى عن نفسه ،فجعل يفاخرنا ذات يوم بالبصرة ونفاخره بالكوفة ،فقلنا : الكوفة أغذى وأمرأ وأفسح وأطيب ،فقال له رجل : والله ما أشبه الكوفة الا بشابة صبيحة الوجه كريمة الحسب ،ولا مال لها ،فاذا ذكرت ذكرت حاجتها ،فكف عنها طالبها ،وما أشبه البصرة الا بعجوز ذات عوارض موسرة ،فاذا ذكرت ذكر يسارها وذكرت عوارضها فكف عنها طالبها . فقال ألأحنف : أما البصرة فان أسفلها قصب ، وأوسطها خشب وأعلاها رطب ، نحن أكثر صاجا وعاجا وديباجا ،ونحن اكثر قندا ونقدا ، والله ما آتي البصرة الا طائعا ،ولا أخرج منها الا كارها . قال : فقام اليه شاب من بكر بن وائل فقال : يا أبا بحر ، بم بلغت في الناس ما بلغت ؟؟ فوالله ما أنت بأجملهم ،ولا بأشرفهم ، ولا بأشجعهم ، . قال يا ابن اخي ، بخلاف ما أنت فيه ،قال : وما ذاك ؟ قال : بتركي ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا ينبغي ان يعنيك ).ج3/ المسعودي .
4- سفيان الثوري : في العام 777م / 162هـ ، توفي الفقيه والعالم المجتهد والمفسر ( أبي عبيد الله سفيان بن مسروق الثوري ،نسبة الى ثور بن عبد مناة من العدنانية ،بالبصرة متواريا ،وهو أبن أربع وستين سنة ). قال ابن سعيد : (( ولد سفيان سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك . كان سفيان ثقة أمينا ثبتا كثير الحجة والحديث )). وكانت الكوفة مسقط رأسه . كان من محدثي الكوفة ،وقد توفي سنة 126 هـ او 128 هـ .
تتلمذ سفيان الثوري على مجموعة من مشايخ الكوفة والبصرة والحجاز ، ومن اولئك المشايخ ( عمرو بن مرة ، سماك بن حرب ، ايوب السختياني ، عاصم ألأحول ، منصوربن المعتمر ،والقاضي سعيد بن حسان المخزومي المكي ) .
وقد وصفه البعض بأنه ( سيد أهل زمانه في العلم والعمل ،وأنه فقيه العرب ). وقد أراد المهدي أن يوليه قضاء الكوفة فأمتنع ، فأمر المهدي بالقاء القبض عليه ،لكنه توارى عن الانظار في مكة ،ولكنه لم يطمئن من طلبه ، فخرج الى البصرة .
5)وفاة امام النحاة سيبويه في البصرة عام 778م /166هـ ،وقيل أنه مات في شيراز ،وقيل ايضا أنه توفي في منطقة ساوه .
واسم سيبويه ، عمرو بن عثمان بن قنبر ابو بشر ، مولى بني الحارث بن كعب ، ثم مولى أل الربيع بن زياد الحارثي ، ومعنى ( سيبويه) : رائحة التفاح ،وأصله من البيضاء من أرض فارس ،نشأ في البصرة ، وتتلمذ على يد الخليل بن احمد الفراهيدي وغيره من علماء النحو واللغة .
كما وصفت البصرة بأنها : مدينة الصاج والعاج والديباج والذهب الوهاج والنهر العجاج ، منابتها قصب وسماؤها رطب وأرضها ذهب وانهارها عجب .

عن khalaf a

شاهد أيضاً

انضمام (اتحاد الإعلام الحر) في سوريا إلى الاتحاد الدولي للصحافة العربية

الكاتب سمير احمد القط صرح السيد ناصر السلاموني رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية بأنه نتيجة …

اترك تعليقاً